من أهم عناصر توصيات الملتقى السنوي الأول لموثقي مصر عنصر الكفاية المالية او الاستقلال المالي للأعضاء الفنيون بالشهر العقاري والتوثيق ،، فـ الموثق هو وكيل الدولة في توثيق المعاملات والتعاقدات بين افراد المجتمع ويكتسب أهميته من خطورة عمله وتعلقه بحقوق الملكية من ثروات واملاك تمثل محور وركيزة التنمية الاقتصادية بالمجتمع ، وعلى الرغم من ذلك فالموثق المصري هو الأقل دخلا من بين جميع فئات مصلحة الشهر العقاري والتوثيق ولأبعد من ذلك فهو الأقل دخلا بين جميع الموثقين العرب ، ولأبعد من ذلك فهو الأقل دخلا بين جميع موثقي العالم أجمع .
والأخطر من كل ما سبق هو هجرة اعضاء الشهر العقاري والعودة للعمل بالمحاماة او التدريس بالجامعات المصرية والعربية أو الإعارة للخارج ،، نتيجةً لارتفاع الأعباء على الموثقين وتدني رواتبهم جدا ، وغياب عناصر الجذب الكافية لبقائهم في وظائفهم من الناحية المالية ، بما يتناسب مع كادرهم وتخصصهم الفني علميا وعمليا ، ومع ضغوط متطلبات الحياة المتزايدة ، في ظل تعففه عن البحث عن وسائل أخرى تُعزز حصوله على مسكن مناسب، وحياه كريمة ، وعلاج يعف به نفسه عن سؤال أحدهم للحصول على خدمة ملائمة في مستشفيات الدولة، بعد أن استبعدت وزارة العدل الشهر العقاري من مظلة العلاج الصحي القضائي لوزارة العدل .
فنلاحظ في الخمس سنوات الأخيرة تقدم عدد كبير جدا من أعضاء الشهر العقاري لاستقالتهم من الشهر العقاري والبحث عن عمل اخر داخل وخارج مصر ، ووصل عدد المقدمين لاستقالتهم خلال شهر أكتوبر 2017 فقط إلى عشرة أعضاء ، ويساعدهم تخصصهم الفني النادر ، ودرجاتهم العلمية المتميزة ، حيث تقريبا 60% من اعضاء الشهر العقاري حاصلين على درجة الماجستير في القانون ، و30% حاصلين على درجة الدكتوراه في الحقوق ، والعديد منهم قدموا استقالتهم بسبب تدني الرواتب جدا وعدم تناسبها مطلقا مع خطورة مهنتهم ومسئولياتها اللامحدودة جنائيا ومدنيا واداريا ، مما تسبب في إفراغ الشهر العقاري من الكوادر العلمية المتميزة جنبا الى جنب مع خروج الكوادر العملية من الأعضاء ذوي الخبرة المتراكمة الذي وصوا لسن التقاعد الوظيفي ، يوما تلو الآخر تخسر مصلحة الشهر العقاري أحد أفضل أبنائها ، ومن الناحية الأخرى لا يوجد بديل ، حتى نصل الى حافه الهاوية وإنهيار كامل – لا قدر الله – لمؤسسة التوثيق العقاري بمصر .
إنَّ مرتبات الموثقين يجب ان ترمزُ لخطورة الحقوق المنوط بهم حمايتها ، وتعكس أهمية الأعمال المسندة اليهم ، والمسئولية المدنية والجنائية والإدارية المحيطة بهم كليا في كافه اعمالهم ، وتترجم قيمة الممتلكات المكلفين بتوفير الحماية القانونية لها ، لذا فإنَّ تفعيل وترجمه استقلال الاعضاء الفنيون بالشهر العقاري المنصوص عليه بالمادة 199 من دستور مصر ، وخاصه من الناحية المالية من مرتبات وأجور وخلافة ، لابد أن يتَطرق إلى مراجعة عميقة لحد «الكفاية» والمطلوب تنفيذه في القريب العاجل ، وليس لحد «الكفاف» والمطبق حاليا .
ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تأسيس ميزانية مستقلة أو كادر مالي خاص مرفق به جدول أجور للموثقين (الأعضاء الفنيون بالشهر العقاري ) يضمن لهم عدم تعرضهم لأي ضغوط او تدخلات من أي نوع ، وتشكل إحدى الضمانات المهمة في تأكيد مبدأ استقلالهم الدستوري ، فكلّما كان هناك استقلال مالي وميزانية خاصة بأعضاء الشهر العقاري كلما قلت الضغوط و التأثيرات في عملهم الفني من قبل السلطة التنفيذية ومن ذوي النفوذ والسلطة . ومن خلال هذه الموازنة المستقلة بتخصيص بند في الموازنة العامة خاص بالشهر العقاري بصفة عامه ، وزيادة النسبة المخصصة للشهر العقاري من ايراداته السنوية مما يوفر دخلا مناسبا ويراعى المسكن والانتقال وتأمين حياة حرة كريمة للأعضاء الفنيون بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق